أوجد الخالق العظيم سبحانه وتعالي في جميع النباتات مكونات متنوعة التركيب لتوفر لها الحماية التي تحتاجها في حياتها, وهذه المواد التي تعرف بكيميائيات الفايتو, يحمي بعضها النبات من التأثيرات الضارة لجزيئات الأكسجين النشيطة التي تعرف بالشقوق الحرة الناتجة كمخلفات للعمليات الحيوية التي تجري باستمرار في الخلية الحية للنبات. وتتسبب هذه الشقوق الحرة في إحداث تفاعلات الأكسدة التي تعتبر بداية لمخاطر أمراض النبات.. كما يعمل بعضها الآخر كحاجز للشمس مما يحمي النبات المعرض لها طوال اليوم من زيادة تأثيرها الضار, وتقوم مجموعة أخري من هذه الفايتو بتثبيط نمو الميكروبات من فطريات وبكتيريا وفيروسات أو تقضي عليها مما يقي النبات من مخاطر الإصابة بها وما تحدثه من أمراض نباتية.
واذا كانت مركبات الفايتو التي أوجدها الله في النباتات لها هذه الفوائد الصحية المهمة لحمايتها من الأمراض النباتية المختلفة, فلاشك في أن تناول الإنسان لها يحقق أيضا له الكثير من تأثيراتها المفيدة والواقية لصحته.. وهذا ما أظهرته دراسات عديدة, أكدت نتائجها أن تناول الأغذية الغنية بفايتو النباتات يخفض من معدل وخطورة الإصابة بالأورام وأمراض القلب وغيرها, ويحافظ ـ عموما ـ علي صحة الجسم وسلامته.
ونظرا لأن التأثيرات المفيدة لفايتو النباتات ترجع لنشاطها المضاد للأكسدة فقد أطلق عليها مضادات الأكسدة, ولأن معظم تركيبها الكيميائي ينتمي للبولي فينول, فإنها تعرف أيضا بمركبات البولي فينول, وحيث إن معظم الصبغات النباتية التي تعطي الألوان الطبيعية للأغذية عبارة عن مضادات أكسدة من البولي فينول والكاروتينويد, فإن الأغذية الملونة تعد أهم مصادر مضادات الأكسدة.
ومع كثرة البحوث التي نسبت لمضادات الأكسدة الغذائية العديد من الفوائد الصحية للإنسان فقد تزايدت موضوعاتها علي الإنترنت بدرجة كبيرة, وانتقل بالتالي التركيز علي هذا الموضوع إلي وسائل الإعلام المختلفة, حيث إنه يحظي باهتمام المواطن لارتباطه بصحته.
ولكن للأسف, وتحت ستار بيزنس الاستشارات الغذائية والتخسيس بدون علم أو دراسة, واصل غير المتخصصين في التغذية ممارساتهم الضارة بتقديم فتاوي خاطئة للمواطن في هذا الموضوع عن طريق وسائل الإعلام, اعتمادا علي معلومات مواقع الإنترنت المتاحة لهم, وهي غالبا ما تكون ضعيفة علميا وتهدف أساسا لتسويق مستحضرات تجارية بعينها من مضادات الأكسدة.
ومن خلال فتاوي التغذية الخاطئة المعروفة للجميع لم يستطع غير المتخصص أن يشرح للمواطن كيف يستفيد غذائيا من مضادات الأكسدة التي أوجدها الخالق العظيم طبيعيا في النباتات, وأكتفي بترديد المعلومة ـ وهي صحيحة ولكنها غير كافية الدقة فلا تحقق فائدة للمواطن ـ التي تدل علي أن جميع الأغذية المألوفة والمعتاد تناولها يوميا من فواكه وخضراوات وبقول وحبوب ومكسرات وتوابل وشاي وقهوة وكاكاو وشيكولاتة وغيرها غنية بمضادات الأكسدة وبالتالي فهي الأغذية الواقية من الأمراض.
ويتعجب المواطن من هذه الفتاوي ويتساءل: إذا كان الأمر كذلك فلماذا إذن أصاب بالأمراض ومع أنني اتناول هذه الأغذية الواقية منها والغنية بمضادات الأكسدة هي طعامي المعتاد يوميا؟!
وبدلا من أن يحصل هذا المواطن علي إجابة مفيدة إذا به يتلقي موجة أخري من الفتاوي بضرورة تناوله الأغذية الملونة حماية لصحته لأنها مركزة بمضادات الأكسدة, وتباري غير المتخصص الذي يغير لقبه تبعا لموضوع الفتوي في وصف ألوان الأغذية ونسبها إلي قوس قزح.. فتزايد استغراب المواطن وتساءل بسخرية وهل هناك أصلا أي غذاء غير ملون؟ والحقيقة أن المواطن علي حق, فجميع ما يتناوله من أغذية ومشروبات طبيعية ـ باستثناء الماء ـ ملونة وبالتالي فهي غنية بمضادات الأكسدة حتي الثوم والبصل والبطاطس والقرنبيط هي بيضاء اللون وبها مضادات أكسدة أيضا والمواطن أيضا علي حق فأغذيته اليومية المعتادة غنية طبيعيا بمضادات الأكسدة الواقية من الأمراض, ولكنه لايستفيد منها.
وتصحيحا للمعلومات الخاطئة, فإن مجرد احتواء الغذاء علي مضادات أكسدة أو أي مكون آخر تنسب له فائدة صحية لا يعني تماما استفادة الجسم منه عند تناوله وبالتالي تمتعه بفوائده الصحية المعلنة, حيث يتدخل أكثر من24 عاملا لتحديد درجة استفادة الجسم مما يأكله من مضادات الأكسدة الموجودة طبيعيا في الأغذية أو أي مكونات أخري.
ومن هذه العوامل: التركيب الكيميائي لمضاد الأكسدة وصورته التي يوجد عليها ونسبة تركيزه في الغذاء, وطبيعة الغذاء ومكوناته الأخري المتداخلة سلبيا أو إيجابيا مع مضاد الأكسدة, ومعاملات إعداد وتحضير الغذاء ومدي مناسبة تناوله طازجا أو مطبوخا وطريقة الطبخ للمحافظة علي مضاد الأكسدة, وحالة الجسم المتناول للغذاء ومدي نشاط إفرازاته الهاضمة وغيرها.
وبناء علي ذلك فإن مجرد ذكر فائدة أي غذاء أو أحد مكوناته لا يكفي لاستفادة الجسم منه, بل يجب تقديم الطريقة الصحيحة لتناول الغذاء وما يتعرض له من معاملات لتظهر تأثيراته المرغوبة صحيا, وليتوقف غير المتخصصين عن إطلاق الفتاوي الخاطئة المضادة لقواعد التغذية الصحية حتي يستفيد المواطن مما يأكل.